فصل: الاقتصاص من الحاكم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الاقتصاص من الحاكم:

إن الحاكم فرد من أفراد الأمة، لا يتميز عن غيره إلا كما يتميزا الوصي أو الوكيل، ويحري عليه ما يجري على سائر الافراد.
فإذا تعدى على فرد من أفراد الأمة اقتص منه، لأنه لا فرق بينه وبين غيره في أحكام الله، فأحكام الله عامة، تتناول المسلمين جميعا، فعن أبي نضرة عن أبي فراس، قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيها الناس: «إني والله ما أرسل عمالا ليضربوا أبشاركم، ولاليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لاقصنه منه».
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لو أن رجلا أدب بعض رعيته، أتقصه منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
إذن لاقصنه منه، وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه رواه أبو داود، والنسائي.
وروى النسائي وأبو داود من حديث أبي سعيد بن جبير فقال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا بيننا، إذ أكب عليه رجل، فطعنه رسول الله بعرجون كان معه. فصاح الرجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالى فاستقد، فقال الرجل: بل عفوت يا رسول الله» وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه: أن عاملا قطع يده: لئن كنت صادقا لاقيدنك منه.
وقال الشافعي في رواية الربيع: وروى من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القود من نفسه، وأبا بكر يعطي القود من نفسه، وأنا أعطي القود من نفسي».

.هل يقاد الزوج إذا أصاب امرأته بشئ:

قال ابن شهاب: مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح، أن عليه عقل ذلك الجرح، ولا يقاد منه.
وفسر ذلك مالك، فقال: إذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها، أو كسر يدها، أو قطع أصبعها، أو أشباه ذلك، متعمدا لذلك، فإنها تقاد منه.
وأما الرجل: يضرب امرأته بالحبل أو السوط، فيصيبها من ضربه ما لم يرده ولم يتعمده، فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه، ولا تقاد منه.
قال في المسوى: أهل العلم على هذا التأويل.

.لا قصاص من الجراحات حتى يتم البرء:

لايقتص من الجاني في الجراحات، ولا تطلب منه دية حتى يتم برء المجني عليه من الجراحة التي أصيب بها، وتؤمن السراية، فإذا سرت الجناية إلى أجزاء أخرى من البدن ضمنها الجاني.
ولا يقاد في البرد الشديد، ولا الحر الشديد، ويؤخر ذلك مخافة أن يموت المقاد منه.
فإن اقتص منه في حر أو برد، أو بآلة كالة، أو مسمومة، لزمت بقية الدية إن حدث التلف.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال: حتى تبرأ، ثم جاء إليه فقال أقدني، فأقاده ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله: عرجت فقال صلى الله عليه وسلم: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك» ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه رواه أحمد، والدارقطني.
وفهم الشافعي من هذا أن الانتظار مندوب إليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متمكنا من الاقتصاص قبل الاندمال.
وذهب غيره من الائمة: إلى أن الانتظار واجب، وإذنه بالاقتصاص كان قبل علمه بما يئول إليه من المفسدة.
وإذا قطع الجاني إصبعا عمدا، فعفا المجروح عنه، ثم سرت الجناية إلى الكف أو النفس، فالسراية هدر إن كان العفو على غير شئ، وإن كان العفو على مال، فللمجروح دية ما سرت إليه، بأن يسقط من دية ما سرت إليه الجناية أرش ما عفا عنه، ويجب الباقي.

.موت المقتص منه:

إذا مات المقتص منه بسبب الجرح الذي أصابه من أجل القصاص فقد اختلفت فيه أنظار العلماء.
فذهب الجمهور منهم إلى أنه لا شيء على المقتص، لعدم التعدي، ولان السارق إذا مات من قطع يده، فإنه لاشئ على الذي قطع يده بالاجماع وهذا مثل ذلك.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وابن أبي ليلى: إذا مات وجب على عائلة المقتص الدية، لأنه قتل خطأ.

.الدية:

.تعريفها:

الدية هي المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجني عليه، أو وليه.
يقال: وديت القتيل: أي أعطيت ديته.
وهي تنتظم ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه.
وتسمى الدية، بالعقل وأصل ذلك: أن القاتل كان إذا قتل قتيلا، جمع الدية من الإبل.
فعقلها بفناء أولياء المقتول: أي شدها بعقالها ليسلمها إليهم.
يقال: عقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته.
وقد كان النظام الدية معمولا به عند العرب، فأبقاه الإسلام.
وأصل ذلك قول الله سبحانه: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما}.
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانماية دينار، أو ثمانية آلاف درهم.
ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين.
قال: فكان ذلك كذلك.
حتى استخلف عمر رحمه الله، فقام خطيبا فقال: ألا إن الإبل قد غلت.
قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألفا.
وعلى أهل البقر مائتي بقرة.
وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفعه من الدية.
قال الشافعي بمصر: لا يؤخذ من أهل الذهب ولامن أهل الورق إلا قيمة الإبل بالغة ما بلغت.
والمرجح أنه لم يثبت بطريق لا شك فيه تقدير الرسول الدية بغير الإبل، فيكون عمر قد زاد في أجناسها، وذلك لعلة جدت واستوجبت ذلك.

.حكمتها:

والمقصود منها: الزجر، والردع، وحماية الأنفس.
ولهذا يجب أن تكون بحيث يقاسي من أدائها المكلفون بها، ويجدون منها حرجا وألما ومشقة، ولا يجدون هذا الالم ويشعرون به، إلا إذا كان مالا كثيرا ينقص من أموالهم، ويضيقون بأدائه ودفعه إلى المجني عليه أو ورثته، فهي جزاء يجمع بين العقوبة والتعويض.
3- قدرها: الدية فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدرها فجعل دية الرجل الحر المسلم: مائة من الإبل على أهل الإبل، ومائتي بقرة على أهل البقر، وألفي شاة على أهل الشاء، وألف دينار على أهل الذهب، واثني عشر ألف درهم على أهل الفضة، ومائتي حلة على أهل الحلل.
فأيها أحضر من تلزمه الدية لزم الولي قبولها، سواء أكان ولي الجناية من أهل ذلك النوع أو لم يكن، لأنه أتى بالاصل في الواجب عليه.
القتل الذي تجب فيه: ومن المتفق عليه بين العلماء أنها تجب في القتل الخطأ وفي شبه العمد، وفي العمد الذي وقع ممن فقد شرطا من شروط التكليف، مثل الصغير والمجنون.
وفي العمد الذي تكون فيه حرمة المقتول ناقصة عن حرمة القاتل، مثل الحر إذا قتل العبد.
كما تجب على النائم الذي انقلب في نومه على آخر فقتله.
وعلى من سقط على غيره فقتله، كما تجب على من حفر حفرة فتردى فيها شخص فمات، وعلى من قتل بسبب الزحام.
وجاء في ذلك عن حنش بن المعتمر، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنو زبية للاسد، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق الرجل بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الاسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحهم كلهم، فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفئة ذلك، فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي إني أقضي بينكم قضاء، إن رضيتم به فهو القضاء، وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا ذلك فلا حق له اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر: ربع الدية.
وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة.
فللأول: ربع الدية، لأنه هلك من فوق ثلاثة.
وللثاني: ثلث الدية.
وللثالث: نصف الدية.
وللرابع: الدية كاملة.
فأبوا إلا أن يمضوا، وأتو النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد، ورواه بلفظ آخر نحو هذا، وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا.
وعن علي بن رباح اللخمي أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر ابن الخطاب، وهو يقول:
يا أيها الناس لقيت منكرا

هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا

جرا معا كلاهما تكسرا

وذلك أن أعمى كان يقوده بصير، فوقعا في بئر فوقع الاعمى على البصير فمات البصير، فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى رواه الدارقطني.
وفي الحديث أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر رضي الله عنه الدية.
حكاه أحمد في رواية ابن منصور، وقال: أقول به.
ومن صاح على آخر فجأة، فمات من صيحته تجب ديته.
ولو غير صورته وخوف صبيا فجن الصبي فإنه يضمن.